يؤكد الكاتب ماجد أبو سلامة أنّ ما يُعرف بـ"اتفاق ترامب" حول غزة لا يعالج جذور النضال الفلسطيني من أجل التحرر، بل يعيد إنتاج اتفاق أوسلو بشكل أكثر قسوة، مقدّمًا وهماً جديدًا باسم "السلام". ويرى أنّ القوى الليبرالية واليسارية في الغرب وقعت في فخ هذا الوهم من دون أن تفرض أي شروط على إسرائيل لوقف إفلاتها من العقاب أو خضوعها للمحاسبة. بينما تتصاعد الدعوات لنزع سلاح حركات المقاومة الفلسطينية، بما فيها حماس، يلتزم العالم الصمت تجاه تسليح إسرائيل وجرائمها.
ينشر موقع ميدل إيست آي أن التناقض صار فاضحًا: الشعب الأصلي، الذي تعرّض لجريمة إبادة، يتحمّل وحده الكلفة الأكبر. ويشير الكاتب إلى أنّ النخب السياسية والرأسمالية تشارك في هذه الجريمة من خلال مقترحات سياسية لا تقدّم حلولًا بل خيانات جديدة، لأنها تفرض "تقرير مصير مشروطًا" وتشرعن المشروع الصهيوني وتُرسّخ الاستعمار وتخدم مصالح رأس المال العالمي. ويرى أنّ هذا الإطار لا يخدم التحرر بل يخدم السلطة ومشروع الدولة الصهيونية والمنظومة الرأسمالية، داعيًا إلى تفكيك هذه البُنى من أجل فلسطين ومن أجل إنسانية العالم بأسره.
يصف الكاتب خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها "مهزلة وحشية" تُعمّق الانقسام بين الشمال والجنوب العالميين، إذ يرفض الأخير المشاركة في تدمير المشروع الوطني الفلسطيني. ويفسّر هذه المقاربة باعتبارها "خطة نيكروبوليتيكية" – أي حكمًا بالموت – إذ تحكم إدارة ترامب عبر القتل لا الدبلوماسية، وتحوّل حياة الفلسطينيين إلى مادة قابلة للإلغاء، مجرّدة من الحقوق والاعتراف. حتى وقف إطلاق النار نفسه لا يهدف إلى حماية الحياة، بل إلى إدارة آلة الدمار وإعادة تشغيلها لجولة قادمة من الإبادة.
يشير أبو سلامة إلى أنّ القيادة الفلسطينية والمجتمع المدني والحركات الشعبية تعرّضت للتهميش الكامل، وأنّ الخطة الأمريكية تفرض تقرير مصيرٍ مشروطًا، يسلب الفلسطينيين حقّهم في الفعل السياسي. ويقول إنّ فلسطين ليست شركة يملكها ترامب أو إيلون ماسك أو ساحة تجارب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ومع ذلك، يتعامل العالم معها بهذه الطريقة: مشاريع العقارات والشركات الاستثمارية تتأهّب لـ"إعادة إعمار" غزة لا من أجل الحياة، بل من أجل إعادة تسويقها بما يخدم رأس المال. ويرى أن ما يجري ليس إعادة إعمار بل محو للهوية، "مرحلة نهائية في المشروع الصهيوني لإذابة الفلسطينيين كشعب وكفكرة مقاومة".
يعبّر الكاتب عن إصراره على الأمل رغم كل شيء، لأنّ حياة الفلسطينيين ما زالت تستحق النضال. يختار إنهاء الإبادة المباشرة والمصوّرة للعالم بأسره، ويصف خوفه اليومي من تطهيرٍ عرقي جديد وكيف يعيش الفلسطينيون بين الهروب والموت والجوع والعطش. ويقول: "بعد أن فقدنا عائلاتنا وبيوتنا وذكرياتنا، بدأنا للتو نُسمح لأن نبكي ونرتاح ونتنفس".
يوضح أبو سلامة أن إسرائيل كثّفت قصفها للأحياء القليلة المتبقية قبل بدء وقف إطلاق النار، ومع ذلك سيعود الفلسطينيون إلى خيامهم فوق أنقاض بيوتهم، إلى مخيماتهم ومدنهم المدمّرة، ليعيدوا بناء مفهوم جديد للوطن. ويؤكد أن الهدف النهائي لا يتغيّر: العودة إلى البيوت التي هُجّر منها الأجداد عام 1948.
يتحدث الكاتب عن التناقض بين مصير الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين: فالأسرى الإسرائيليون عادوا إلى استقبال الأبطال في دولة تواصل استعمار الأرض، بينما الأسرى الفلسطينيون عادوا إلى الركام بعد التعذيب، ليعيشوا في خيام ويحاولوا إعادة بناء حياتهم. ورغم كل شيء، يرى أن إسرائيل فشلت في "تفريغ غزة" وفشلت في كسر النضال الفلسطيني، بل ساهمت في تعرية وجهها أمام العالم الذي شاهد "أحد أكثر الإبادات دموية في التاريخ الحديث".
يعترف أبو سلامة بأنّ رؤية الفرح في وجوه عائلته وأصدقائه في غزة نادرة وثمينة، بعد عامين فقدوا فيهما الوزن والعمر بسبب الجوع والخوف. ويصلي أن تبتعد الطائرات المسيّرة عن سماء غزة وأن يصمد وقف إطلاق النار، لكنه يذكّر بأن لإسرائيل عادةً راسخة في خرق الهدن كلما تحوّل نظر العالم عنها. فاستراتيجيتها، كما يقول، هي "القتل البطيء" واستغلال الوقت لتوسيع الاستيطان، واستخدام "هدن زائفة" لتهدئة الغضب العالمي وتفكيك التضامن الشعبي وإضعاف التنظيمات السياسية.
يصف الكاتب ما جرى في غزة بأنه "هولوكوست فلسطيني"، ويحمّل الغرب مسؤولية انهيار معاييره الأخلاقية بينما يواصل تمويل وتسليح إسرائيل. ويشدّد على أنّ الواجب الإنساني الآن هو منع أي مشروع استعماري جديد في فلسطين، وأن تُواصل حركة التضامن العالمي مع الفلسطينيين نضالها من أجل العدالة وتقرير المصير.
يدعو أبو سلامة إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، مؤكدًا أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات (BDS) تمثّل الحد الأدنى من الفعل المطلوب. كما يطالب بمحاسبة الدول والمؤسسات السياسية التي فشلت في منع الإبادة أو تواطأت في تبييض جرائم الاحتلال. ويرى أنّ العالم لن ينسى هذه الخيانة الجماعية، حيث دعم الغرب جريمة بثّتها الشاشات أمام الإنسانية كلّها.
يختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن الفلسطينيين الذين فقدوا كل شيء لم يعودوا كما كانوا، لكنهم كسبوا تعاطف العالم وخسر الاحتلال صورته الأخلاقية إلى الأبد. ومن هذا التحول يجب أن تنطلق الدعوة إلى نظام عالمي جديد خالٍ من الفصل العنصري والاستعمار، لأن التاريخ لن ينسى من صمت بينما شاهد البشرية تُباد في بثّ مباشر.
https://www.middleeasteye.net/opinion/world-must-ensure-Israel-does-not-resume-slow-genocide